نقول: معنى ذلك أن الحضارة في اليمن ، الحضارة في جنوب جزيرة العرب حضارة متميزة وقديمة، لا يميزها فقط القدم؛ بل إنها متميزة, وجاء هذا التميز واضحاً وجلياً من خلال الكتب السماوية، والآثار الموجودة التي تنطق حتى الآن، وإن كان التاريخ البحثي لم يُعَمَّق, وهذا ما نرجو أن نثيره, وأن نشجع عليه في مثل هذا اللقاء إن شاء الله تبارك وتعالى، لكي تكتمل الحلقات التي يمكننا من خلالها أن نشهد تاريخاً بشرياً حقيقياً وصحيحاً، ينطلق من قضية أن هذه البشرية أصلها واحد, وأن دينها واحد, وهو التوحيد في الأصل، وأن ما طرأ على ذلك من وثنيات وانحرافات فهي انحرافات طارئة، وبالتالي نلغي المركزية التي يجعلها البعض لأمة دون أمة, أو مكان دون مكان إلا ما ثبت في الدليل الصحيح، فنحن المسلمين -ولله الحمد- نؤمن بجميع الأنبياء, ونؤمن بجميع الكتب, ونعلم أن منهم من قص الله تعالى علينا نبأه, ومنهم من لم يقص الله تعالى علينا نبأه، فلا حرج لدينا أن يأتينا من يتحدث عن حضارة أو عن أنبياء أو عن تراث آخر غير مذكور لدينا! المهم أن يكون ذلك ثابتاً بالأدلة الصحيحة, وأن يكون مقبولاً علمياً وموضوعياً.
أما يفعله المستشرقون من تسييس الآثار وعلم الآثار وعلم الأبحاث، فالملاحظ أنه تحامل! فما فعلوه مبني على التحامل, وعلى طمس الآخر تماماً -الذي هو المسلم العربي- محاولة شديدة ويائسة لأن يطمس, ومع ذلك الحمد الله لم يستطيعوا؛ لأن من الغربيين أنفسهم الباحثين المتجردين، وفي نفس الوقت الحقائق تظهر شيئاً فشيئاً حتى تكشف عن أمور لا يمكن لهؤلاء أن ينكروها.
نحن على سبيل المثال عندما نذكر الميزة العظمى للحضارة اليمنية غير القدم، هناك ميزة السمو والرقي العقلي والروحي، والتفكير الذي يمكن أن نجمعه في كلمة واحدة وهي: الحكمة؛ أنها حضارة حكيمة, وأنها بلاد حكمة.
مما يدل على ذلك في الكتب القديمة وفي التاريخ -على منهجنا الثلاثي في المصادر- لو أننا نظرنا إلى العهد القديم فنجد أن هذا واضحاً جلياً، ففي سفر أيوب على سبيل المثال: عندما تكون تلك المجادلة حول القضاء والقدر وحرية الإرادة والإنسان، وكيف يبتلي الله تبارك وتعالى الإنسان, وهل هذا عدل أم غير عدل -تعالى الله عما يصفون- نجد أن الحكمة في هذا السفر من أولها إلى آخرها حكمة يمانية، والأسماء أسماء يمانية، وهذا ما يُقر به كل من يكتب عن التوراة والعهد القديم، ويضعون ذلك تحت اسم اليمن أو التيمن؛ اللفظ التوراتي يكون التيمن مأخوذ من التّيمُّن أو من اليمن ، فيقولون: إن هذه بلاد الحكمة, وقالوا: إنها منبع أو أصل للحكمة.
كذلك في الأمثال الأخرى, وكتب الحكمة الأخرى، وهي أحد الأجزاء الكبرى مما يسمى بمجموعه: البايبل عند أهل الكتاب أو العهد القديم بالذات، نجد أيضاً في إنجيل متى أن المسيح عليه السلام عندهم نص على هذا يقول: إن ملكة سبأ جاءت وطلبت الحكمة من سليمان -في معرض ذم اليهود - و اليهود لم يقبلوا الحق منه عليه السلام وهو أفضل من سليمان, وأعظم حكمة, وأعظم نبوة، وهذا حقيقة نعم هو كذلك، فيتعجب يقول: كيف الأمم البعيدة والغريبة تقبل الحكمة بينما أنتم يا بني إسرائيل! لا تقبلونها مع أنها أمام أعينكم؟ فهذا أيضاً مما يؤكد الصفة نفسها.
تأتي هذه على لسان أصدق البشر صلى الله عليه وسلم فيختصر بكلمة واحد ويقول: (الإيمان يمان, والحكمة يمانية).
لاحظ المصادر الثلاثة تتفق بأن هذه بلاد حكمة, وأنها حضارة حكمة، بمعنى: السمو الروحي والأخلاقي فيها أعظم من أي مظهر آخر, بالإضافة إلى أن لها مآثر أخرى.
مثلاً: أول ناطحات سحاب عرفها العالم هي في اليمن , ولا تزال آثار منها موجودة إلى الآن! أعظم السدود في تاريخ البشرية هي السدود التي بنيت في اليمن , ولا تزال الآثار موجودة وقائمة حتى الآن! إذاً: هناك أيضاً حضارة عمرانية مزدهرة وقديمة, وتشمل جوانب مادية, وتشمل جوانب روحانية، بإمكاننا أن نجد هذا, وأن نجد أيضاً جوانب الانحراف.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع